Mar 8, 2010

هويدا صالح ...تغترب فى عالم مهنى الذى صنعه بتوتر


كتبت الاديبة المبدعة هويدا صالح عن اغتراب المتتالية القصصية الاولى,والعمل المطبوع الاول أيضا للكاتب الشاب أحمد مهنى 
فى نصف صفحة بجريدة الاهرام المسائى ,ونحن اذ اردنا ان نعيد نشر هذا المقال هنا, ليس لزوم ما يلزمه الزخم الاعلامى المحتفى بالرواية فى مواجهة القصة او الشعر ولكن فى اطار ما اتخذناه عهدا على انفسنا بايجاد مساحة مختلفة.لقارئى يبحث عن مفارقة او بناية جديدة لعوالم مشبعة بالتناقض واشياء مبهمة نبذل اعمارا فى فهم واستدراك تفاصيلها لعلنا نصل الى نتيجة مرضية. 



مجموعة مهنى الاولى تستحق الكثير البعض يراها وانا منهم خطائه الاول الذى نتمنى ان يستمر فيه....والبعض الاخر وهو ليس بقليل يتمنى ان يعيد النظر فى تجاربه الشعرية الاولى التى لم تنشر بعد  لعله يتمخض بديوان اول له يصنع ملامح لتجربة ننتظرها .... والسطور القليلة الاتية تحمل كلمات الاديبة والناقدة هويدا صالح فى مقال بعنوان

اغتراب ما بين القصة المشبعة ومشهدية السرد





القصة القصيرة فن سردي له دهشته ، له مذاقه الخاص ،ربما يختلف كثيرا عن الرواية والشعر ، وإن كان لمرونته ودهشته قد سرب رهاناته إلى الرواية ،فتغيرت طرائق السرد الروائي وأفادت من تقنيات القصة القصيرة ، كما أفاد الشعر من القصة القصيرة ولغتها ،فرأينا قصيدة النثر تنافس وبجدارة قصيدة التفعيلة .
ولن يقف التجريب في القصة القصيرة عند حد ،بل ستظل القصة تجدد نفسها وتقدم رهاناتها في تطور ونمو .
ومن المدهش أن يكون ذلك التطور عودة مرة أخرى لكتابة القصة الكلاسية ،فبعد رحلة من التجريب ما بين القصة الومضة والقصة اللحظة والذهنية تعود القصة القصيرة لتراهن على الحكاية وعلى الوصف ،حتى يمكننا أن نقرأ قصصا مشبعة بطاقة رواية كما يقولون ، ومن الكتاب الذين راهنوا على كلاسية القصة هو الكاتب الشاب أحمد مهنى ،في متتالية قصصية بعنوان :" اغتراب " ، وتعد هذه المتتالية هي العمل الأول له .. يراهن مهنى على الكلاسيكية ويشعر بالنوستالجيا لها حتى أنه يهدي كتابه إليها : " إلى الوحدة والشجن والحنين .. وإلى الكلاسيكية المفتقدة والمتهمة بلا ذنب " .
نجد الذات الساردة في هذه المتتالية ذاتا مهمومة بهم الإنسان ،بتفاصيله اليومية ، تقدم لنا لحظات إنسانية تدافع وببراعة اللغة والوصف الوحدة والشجن والحنين ،وتهفو للكلاسيكية المتهمة بلا ذنب .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه منذ البداية ما الرابط الذي يجمع مجموعة القصص ؟ الرابط الحقيقي هو الذات الساردة التي تسرد جميع المواقف واللحظات ،والتي تكشف عن هموم وتفاصيل إنسانية .
المدهش أن الكاتب لم يعنون القصص ،بل كتب قصة أولى ، ثانية ، وهكذا ،وهذا يشير إلى فكرة المتتالية ، ووحدة الجو ، ووحدة السارد . كذلك جاءت لغة الوصف تراهن على الجماليات وشعرية المفردة ، وقوة التعبير مما يجعلني أتساءل هل هذه هي التجربة الأولى للكاتب ؟
القصة الأولى تشير إلى شاب يتلمس خطواته ،وأصدقاؤه يدفعون به نحو اللعب واللهو ، وهو يحتمي بفضيلته ،يقدم فيها صوتا نسويا ينتصر للمرأة التي تتعرض للإشاعات والتلسين ، وحين تجمعها الظروف بالسارد يكتشف يلمس مدى نقاء روحها ،فيحاول أن يقدم لأصدقائة صورتها الحقيقية . هنا يكشف عما تعانيه المرأة المطلقة الوحيدة من الأقاويل والإشاعات .
أما القصة الثانية،فذات السارد تدخل في تجربة صوفية ممتعة ،يجيد فيها الكاتب توظيف الجو الصوفي ولغته الدالة والرمزية ، ويقدم لنا ذاتا حائرة ما بين التحقق والغياب ، نلحظ هما وجوديا فائضا ،وعذابات الذات ،ووشوقها ووجدها . يجيد الكاتب رسم مشهد الذكر ونتملس الوجد الذي تعانيه الذات في سرد ووصف مدهش .
أما القصة الثالثة ،فيفيد الكاتب فيها من فكرة الميتا سرد حيث يناقش هموم الكتابة ،ويكشف الأفكار التي يفكر فيها الكاتب حينما ينوي أن يكتب نصا ، كما تفضح مسألة توظيف الجنس في الإبداع ، وهل يوظف فنيا أم يأتي داخل النص مبتذلا وفاضحا . ؟
الذات الساردة في النص حائرة ما بين الإبداعي والذهني والمعيش ،حائرة ما بين امرأة يقابلها في طريقه لحضور ندوة أدبية ،وتحاول إغوائه وبين الذهاب للندوة . كما يكشف فيها عن فكرة صراع الأجيال ،جيل الشباب وجيل الأساتذة وجيل الوسط . هي قصة ميتا سرد بامتياز .
في حين تأتي القصة الرابعة لتصور علاقة رجل بزوجته وصغاره ، ووقوعه في ماعاناة الشك والإشاعات التي دارت حول زوجته ، فالسارد في القصة على علاقة ملتبسة مع عائلته ما بين التفهم لهم ولرغباتهم الصغيرة ، وحين ينال ترقية ويقترب الوقت الذي سيحقق لهم ما يريدون تطارده الإشاعات أن زوجته التي كانت تعمل معه في ذات العمل على علاقة برئيسه وأنها هي من دفع من جسدها ثمن الترقية . وهنا تقع الذات في صراع تراجيدي غير مفهوم ، وتنتهي بشكل غامض ،فيقتل الرجل القط الذي كانت تحبه زوجته متطهرا بقتله من عبء قتل الزوجة المشكوك فيها .
القصة الخامسة تحكي عن شاب لا يجد ذاته ، هو تائه لا يجد طريقه ،يقابل عجوزا يحاول مساعدته ثم يندم ، وفي الطريق نكتشف عبر تفاصيل فنية ولغة مشهدية تاريخ ذلك العجوز ،وعلاقته بابنه وأحفاده ، وذهابه رغم ضعفه وسنه إلى المظاهرات ، وفي رحلة السرد يتورط الشاب في التظاهرة ، ويهتف لشيئ لا يعلمه ، لكنه يهتف ،فذلك الحس الإنساني الذي جعله يرافق العجوز ينقذه من الانتحار ،فعد التحقق والاكتئاب دفعا الشاب للانتحار ،لكنه تراجع في آخر لحظة ، وعلاقته بالعجوز أعادت إليه روحه .
ثم ينتقل بسارده إلى مشهد آخر نرى فيه ذات السارد يعاني صراع داخلي ما بين التمسك بقناعاته ولو كانت خاطئة وبين محاولات الآخرين إغواءه ، فالشاب يعمل محررا في جريدة يومية ،ويقع أسير رغباته التي يمنعه خجله من تحقيقها ، وحين تواتيه الفرصة تنتصر التابوهات الداخلية التي وضعها على نفسه ، وتمنعه من ممارسة أبسط حقوقه الإنسانية .
في حين تأتي القصة الأخيرة راسمة بلغة مشهدية بصرية جلسة مزاج لمجموعة من الأصدقاء مع ذات السارد ، وبنفسه اللغة المشهدية رسم لنا الكاتب مشهد لف الحشيش وجلسة المزاح حتى تتخيل انه يمسك باكاميرا ويصر لنا المشهد عبر اللغة .
في النهاية استطاع أحمد مهنى أن يرسم ويصور بطله في لحظات فارقة في حياته بلغة وصف تحقق الكثير من الشعرية مع الإفاجادة الفنية التي حافظت على إيقاع السرد ، وتشوق القارئ .
هويدا صالح